ملجأ العامرية: الهروب إلى الموت خوفاً من الموت في كشف الأستدلال الدوني بالمرجعية الغربية
ياملجأ العامرية هل كنت في العامرية أم في العامرية أم في العامريات ، أكريل على اسفنج ، للفقير لله والغني بفيضه ناجي الحازب آل فتله
فلو كان قلبي من حديدٍ أذابه ولو كان من صم الصفا لتصدعا الأشهب
في 13 شباط 1991 أوعز مجرم الحرب الأمريكي غلوسوم إلى راجمتين إثنتين من طراز أف 117 للأنطلاق من قاعدة "خميس مشيط " في جزيرة العرب بتواطؤ آل سعود على رؤوس الأشهاد بأتجاه بغداد لقصف ملجأ العامرية بعد ان انتقته القوات الأمريكية بأناة ودقة بالغين لتستهدفانه ليزرياً بصاروخين إثنين من طراز الـ جي بي أو 27 يمتلكان قدرات هائلة على اختراق الكتل الكونكريتية ذات الكثافة الشديدة مكنتهما من اختراق فوهة تهويته تباعاً حيث استطاع الأول في الأغلب قتل قاطنية المدنيين الـ 407 من أبناء جلدتنا عصفاً بما يمكن تسميته من لدننا بخنق الهواء :ولعل الأجساد المستنسخة على جدرانه كفيلة بترجيح هذا الذهاب كأداة للتقتيل الجماعي دفعةً واحدةً واستحالة امكانية البقاء في سعاره على قيد الحياة لحظةً واحدةً أما الصاروخ الثاني فكانت مهمته إعادة انتاج التقتيل شوياً وهو شكل من أشكال التمثيل بجثث الموتى وبذلك تكون التجربة التي اراد القتلة إجراءها على الصاروخين وبهما قد حققت ولاريب تفوقهم الأجرامي تكنولوجياً مقال "الهروب من الموت خوفاً من الموت" لايكتفي بتفنيد التعاطيات الدونية للمثقفين الممركزين أوربياً في شخص الدكتور حاتم الصكر مع موت فعلي كهذا الذي يتوزع المسلمين صبراشاتيلياً انه يذهب جاهداً ومجتهداً إلى الموت الفاعل متسلحاً بالموت جهادياً : إياكم والراحة فأنها غفلة الخليفة الفاروق عمر بن ألخطاب رضي ألله عنه وينتصحنا الدكتور حاتم الصكر بتنمذج الكورنيكا لحمل نازلة ملجأ العامرية لمصاف التعبير عن ذاتها فعلياً ولأنني أستطيع القول يقناً عدم وقوفه بلحمه ودمه قدام عمل بيكاسو الأقرب إلى الملصق منه لعمل فني ناضج كما هو كائن في ألأصل فأنه إيتنى تَقَويه هذا في ضوء مستنسخه ومستنسخ عمل ما مهما بلغت دقة طبعه وقبل ذلك قدرة آلة ألتصوير على إلتقاطه فأنه لايرتقي بالناقد لمستوى التعامل معه بحضوره الحي بما يحتمله من تفاصيل وبما ينطوي على هذه التفاصيل من جبلات هي بدورها تتمخض عن أخرى وعبرها جميعاً يتشكل العمل الفني طبعاً بمستويات مختلفة تتحد نوعياً حسب قدرة الفنان وخبرته ألأبتكارية في التعبير عن خامات ألتجربة وإنفعالاتها وفيما يتعلق بالكورنيكا علاقاته الملصقية بسب افتقاده للعمق التشكيلي ولعمري أن فناناً واحداً أو آلافاً مؤلفة من الفنانين في مستوى ألأرتقاء لأستيعاب تجربة ما مهما بلغت من السهولة إستيعاباً مطلقاً بحيث تغدو معالجتها مرة أخرى من جديد مستحيلة فالرؤى بأختلافاتها تتنوع إلى مالانهاية ثم أن لكل تجربة سياقاتها وهي ألأخرى متنوعة ولايمكن حصرها عسفاً في مساحة معينة أن هذه ألمساحة تبقى ضيقة إذا ماإشتدت قوة ألخيال في تضاعيفها وتنوعت فكيف والحال هذا العمل على تنمذج تجربة بعينها على عمل فني بعينه في صياغة حشد مدمر من ألأنفعالات في تجربة أخرى تبدو من بعيد مشاكلتها وماهي بمشاكلتها كأن الصكر وهو يذهب مستثبتاً عدم ظهور عمل فني يعتلج نائبة ملجأ ألعامرية بمستوى الكورنيكا يستنكر ألتمسك بخصوصيتنا ونحن نموت في ملجأ العامرية على هذا النحو وليس على نحو آخر بهذه الصيغة المجردة والغير مجردة أصلاً: هذا الموت كله ذعطاً وذَرَعاً وفرماً وعلى هذا المنوال على دفعة واحدة بصاروخين إثنين : ثمة ألفيزياء الكيميائية في تنظيم القتل المحبوك بهذه الواسطة في عملية إجرامية لاتزال في نظر القاتل ذات مغزى مختبري لاأكثر لأستكشاف مدى ماتوصلت إليه تقنيات القتل حضارياً وهو ذا القتل نفسه يتضاعف بتدامج أهدافها المستوعبة مايمكن أن يخطر على البال من إنفعالات مستقاة من شتى المجالات بهذا ألمعنى تضع هذه التجربة نفسها حسياً بمكان المقارنة نفسها في سياقها الروحي ويجب أن لايُفهم هنا ميلها نحو التقوقع وإحتقار ألتأريخ ان مثل هذه الشبهة يدحضها التساوق الكائنة هي في مخاضه ألمرعب : الحرب تقصيفاً وبالمدى الذي إستوعبته رحاها وإستنفره وغاها مداعسةً بالصواريخ بصورة السبي المستتب:العراق كمعترك مستهدف بقضه وقضيضه وقد إعتصره الشعور بالوحشة في عالم أراد طرفه ألأكثر إستبداداً ووحشية أن يكون منتجها كاوبوياً بما تتضمنه هذه الصفة من تقاليد غربية أرستها الحملات ألصليبية وعلى منوالها وفحواها ألغزوات ذاتها بمواصفاتها الأوربية لبلاد الهنود ألحمر وإستئصال شأفة سكانها ألأصليين عبر حروب غير متكافئة ثم حروبها مع نفسها مثل حرب الثلاثين عاماً والحربين العالميتين ألأولى وألثانية وناهينا عن حروبها في أفريقيا وبلاد العرب والعالم كله وتبلورها في صورتها الأمريكية ألخالصة:الحرب في كوريا والحرب في فيتنام والتي ظهرت متدامجة وبمستويات مختلفة ضمن العناصر المشكلة لقوى حرب ألتقصيف ألثلاثينية ضد العراق وعلى هذا النحو تندرج ألحرب الأهلية في أسبانيا في جوهر الحال ضمن العوامل المحددة لمصائر أوربا الممزقة والمتحاربة مع نفسها تحت الشروط التي فرضتها الحرب العالمية الثانية عبر قوى تناصب نفسها العداء لكنها بمجمعها لم تنظر للأمم ألأخرى خارج حدودها بعين المودة والأدق لم تنظر لها إلا بعين الضغينة وخاصة لأحفاد طارق بن زياد ومعشر المسلمين بحلهم وترحالهم الذين مابرحوا يستفزون الحافظة الصليبية القابعة مذعورةً في قمقم سنشهد تكسره في عام 1948 لتخرج بهيئة غوائل مباركةً عملية إفتعال دولة إسرائيل بمعتبرها حرباً مستديمة ضدهم وهي نفس القوى التي ترعرت في غياهبها فكرة قيامها في بادئ ألأمر هلامياً ثم تمكينها من التطور لتأخذ مواصفات المشروع الذي لم يتمكن من النجاح دون القوى المضادة للفاشية ألألمانية وخاصة ألأستعمار ألبريطاني ومن بينها طبعاً الأمميات ألأشتراكية بتلاوينها المختلفة التي حاربت إلى جانب القوى ألمضادة لفرانكو أبان الحرب ألأهلية في أسبانيا وبيكاسو الذي يعنينا أمره في خضم الأحداث الدموية العاصفة في أوربا بصفته فناناً لم تك تشغله السياسة قبل الكورنيكا التي رسمها عام 1937 في باريس وكانت لاتزال تحت وطأة ألأحتلال ألألماني النازي وبهذه الحالة أن أحتجاجه ضد الحرب هو ضد الحرب بفحواها ذاك وضد الحرب بصورتها الأهلية في موطنه ألأصلي أسبانيا كما أحس هو بؤسها وفاجعتها ثم بالصورة ألتي إنعكست في قوة الخيال لديه إبتكارياً عبر هذه اللوحة هو إحتجاج ضد هذه الحرب بالذات بالصيغة التي فُسرت بها والتي تحكمت بكيفيات فهم العالم لها على أساس مجافاة الفاشية ألألمانية وبهذه الواسطة أرتكب الصكر غلط التعامل مع ألأطراف ألأخرى بأعتبارها منقذة للعالم وهي لم تك كذلك وقد كان الأولى بمعشر العرب أن يستثبتوا ألأطراف الأخرى هذه بطبيعتهم المعادية إياهم وبالعيان عبر إحتلال فلسطين وتكريس تقسيم بلادهم وفرض الهيمنة عليها من قبلها كنتيجة لامندوحة منها لحروبهم وفي هذا ألسياق ان معشر المسلمين هم أكثر ألأمم تضرراً من سياسات الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية وسنرى ذلك بأوضح التقاسيم المخيفة في مذابح فرنسا بالجزائر الثائرة ضدها وهذه هي فرنسا نفسها التي كانت بمنصب الضحية وقد جرّحتها عقدة عجزها عن طرد ألأحتلال ألنازي بقدراتها الذاتية لم تجد بداً من التعويض نفسانياً عن هذا العجز بعرض قوتها العسكرية عللى أمل إعادة هيبتها على ألأقل في عيون ألأمم ألمستعمرتها هي لكنها ستتأكد بنفسها من كون هذه القوة وإن إستطاعت بواسطتها تذبيح مليون مسلم جزائري لم تمكنها من تكريس إحتلالها للجزائر وكانت هي الهزال بأم عينه الذي عاد بها حيث يجب أن تكون وهي تجر أذيال ألهزيمة وحسب الوقائع أن بيكاسو خلال ألأبادات ألجماعية ودفن ألأحياء من أبناء جلدتنا كان في فرنسا نفسها وكان بمقدوره أن يفعل ولوشيئاً ضعيفاً ضدها وفي ألحدود المتوفرة بالطبع كالأحتجاج إسوة ببعض الكتاب الفرنسيين أن بيكاسو ببساطة لم يفعل ذلك ولم نعثر على مادة تساعدنا على فهم وجهة نظره بهذه الحرب أصلاً وكيفية تلقيه لها غير انه من ألمؤكد لم يبدي أي إهتمام بها فنياً وكيف يجوز لنا إنتظار ذلك من شخص مثله عمل كمخبر للأستخبارات الفرنسية ووشى بكثير من اصحابه الفنانين " إقرأ سيرة حياته ، مجلة سبيغل ألألمانية "كل هذه الخامات خليقة بتشكيل اللوحة التي نحن بصدد رسمها فتنمذج حالة واقعة ما تشترط علائقها السببية والصكر بعدم عثوره على عمل فني بمستوى لوحة الكورنيكا للتعبير عن نازلة ملجأ العامرية يستحثنا على تمثلها والتمثل هنا يحتمل الوجه الأخطر من ألتأويل ألذي يعتسف قوة الخيال لدى ألمبدع ويعمل على تهميش نشاطه لأنه بوضعه منذ البدء بمستوى القابل للمقارنة مع المتمثله هو أي الصكر يحط من تميزه وبهذا يحط من القيمة المصيرته والصائر هو فيها وعبرها وإليها وبذلك سيفقد صيرورته ألمعتدة بذاتها حتى وإن قدر له ألوصول لمستواها محكوماً بالعلاقة الدونية ألتي توجه الصكر ذهنياً هذه التي تجعله يقبل بصياغة الأستعمار ألفرنسي خارج نطاق كينونته ألأستعمارية ، وتبني صيغته على هذه ألشاكلة في مقال بمناسبة صدور سيرة رامبو نشرته جريدة " ألقدس ألعربي " _ عدد 2227 ، ألسبت 1996-7-6 . ولعل قوله هذا يغنينا عن التفاصيل : " بدءاً بعمل أبيه في ألجزائر - يقصد رامبو - ضمن كتيبة مشاة عسكرية ثم في قسم ألشؤون ألعربية والمكتب العربي على ألحدود المغربية " أوليس هو هذا ألتعاطي أللغوي للمستعمر الفرنسي الذي كان ولايزال ينظر للجزائر كجزء من فرنسا ومهما يكن ألأمر فأن أي عمل إبتكاري من الممكن أن يتأثر بهذه الدرجة أو تلك بسواه ولاأحد يمنع عليه ذلك ولكن إذا لم يقيض له أن يكون هو ذاته ولذاته وصولاً للتجسد بهذه الصورة كطاقة إبداعية متفردة فسيكون جلفا وإذ يعتلج هذا العمل مصيبة كبرى كملجأ العامرية وهي أشنع ألرزايا فيالهول النظريات !!. ان هذه المصيبة في محيطها الشامل ينبغي أن تكون هي القياس الفصل لأستقصاءها جمالياً وهي بحد ذاتها ستكون بكينونتها الواقعة في العيان قياساً في كيفيات تلقي الأعمال ألأبتكارية المعتلجتها لأن عملية التلقي نفسها بقياسنا يجب أن لاتشط عن الخبرة المعتلجة من قبل العمل ألأبتكاري فالملجأ هو هنا ليس ككل ملجأ ومنطقة ألعامرية هي ذاتها حيث تقع في بغداد وبغداد هي كلها ومنذ تأسيسها ويجوز أن تذهب المخيلة أبعد من ذلك بكثير رجوعاً لما قبل ألتأريخ موغلةً في عباب مالم يقومه بعد أما حرب التقصيف فلابد أن تكون جهنم هذه المخيلة وعلى هذا النحو نتبين ان ثمة أواصر علاقة بين الكورنيكا وملجأ ألعامرية ولكن ليس بالمضمون ألمترسمه الصكر فهي كما فسرت من قبل النقاد ألأوربيين كانت ألتعبير ألذي أراد له بيكاسو أن يكون إحتجاجاًعلى الحرب وهي ذاتها ألحرب ألتي كان من شأنها تصعيد القوى القوى نفسها ألتي أشعلت حرب ألتقصيف ضد العراق وهي كما هو معروف المنتجة لنازلة ملجأ العامرية وبهذه الحالة أن المخيلة ألمفعمة بالمعرفة يكون عليها إستحضار هذه الوقائع الممكنة ذات الصلة بهذه التجربة خلال عملية التلقي بذلك يكون بوسعنا ألقول أن وقوف بيكاسو ضد الحرب تلك لايحتمل وقوفه ضد الحرب بشكل مطلق ولاأدري ماذا سيكون موقفه من حرب ألتقصيف ضد العراق لوقيض له ألبقاء على قيد الحياة حتى أوانها !!؟ . ولأنه لم يقف ضد الحرب الفرنسية ضد الجزائر وهي حرب ضد نفس العينة ألبشرية وتمتلك ذات المضامين الأستعمارية لانستطيع تخيله مجافياً الموقف القذر لمعظم الكتاب والفنانين الأوربيين معها من أمثال شاعر " مابعد الحداثة "الألماني أنسينسبيرغر الذي وقف معها ان السيرة الذاتية لبيكاسو تنأى بأفتراض موقف مضاد لهذه الحرب من قبله بعيداً جداً عن الواقع بل وتؤكد على عدم وجوده تماماً والحال هذا ماعلى الفوهة الصليبية في سقف ملجأ العامرية إلا أن تحفر نفسها في عباب الروح حيث نرى المرأة هذه المصنوعة من فحم يخالطه الدخان والظلام والدم والخيانات لاتزال ملصقة على جداره وقد إلتهمت النيران الصراخات بعد أن قطعت أوصالها إرباً إرباً الصراخات وهي تصمغ الهواء المختنق في اللوحة الصراخات وستبقى وهذا ماينبغي أن نعمل من أجله فثمة حاجة ستبقى هي الأخرى ملحة ليقظة مستديمة تجعلنا أكثر حساسية في تلقي موتنا وأكثر إنفعالاً في تعاطي أنفسنا وتنمذجها في صياغة ماهيتها إبتكارياً عبر اللجوء إلى الموت الفاعل والتسلح به جهادياً بدلاً من التطير بعيداً عن الذات المقصوفة عبر عموميات تعتسف المخيلة وتعطي مشروعية تضييقها كما يفعل الصكر والله من وراء القصد
أواخر تموز 1996
|